تمهيد:
عرفت النشاطات التعليمية في المدرسة الجزائرية المعاصرة عدّة طرائق ومناهج تطبيقية كانت الغاية منها توصيل المعلومة والمفهومية إلى التلميذ(المتلقي)،ومن بين هذه النشاطات التعليمية دروس اللغة العربية من قواعد نحو وصرف وبلاغة وعَروض وعلم معان...،فقد أُفردت لها سندات خاصّة تميّزها عن غيرها من النشاطات الأخرى مثل الأدب والنّصوص والمطالعة الموجّهة والتعبير بنوعيه الكتابي والشفوي إضافة إلى العُروض والبحوث المختلفة،لكن خبراء التربية التعليمية والمدرسية في بلادنا رأوا في تلك الاستقلالية التي تُقدّم بها تلك الدّروس إخلالا بغاية التّعلّم وتشويشا لذهن المتلقي وذهابا بتركيزه،دون إغفال للإيجابيات العديدة التي عادت بها تلك الدّروس على الرّصيد المعرفي له،وكانت تلك الإيجابيات تكون أكبر وأكثر فائدة لو استندت إلى موضوعات تلك الدّروس لما يتلقاه التّلميذ في نشاطات النصوص والمطالعة بحيث تستمدّ أمثلتها وأساليبها من سندات تلك النّشاطات فيكون الارتباط أشدَّ والفهمُ أقوم،فكان لزاما أن يعاد التفكير والتخطيط لمنظومة تعليمية تهدف إلى تكاملية بين السّندات النصية بغيرها من دروس اللغة العربية وفروعها.وأمام هذا الوضع فما هو الإجراء الأنسب الذي جاء به اختصاصيو التعليم؟وما مدى نجاعته واستجابته لحاجات المتلقي ومن ثمّ المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه؟وهل هو الحلّ النهائي لما اعتبر خللا في تنفيذ طريقة تعليم حديثة؟هي أسئلة تحتاج إلى إجابات دقيقة ليس من اليسير التعرض لها بكافة التفاصيل في هذه المداخلة.
من الدّروس إلى الرّوافد أو من الأهداف إلى الكفايات:
أشرنا أعلاه إلى انّ دروس اللغة العربية من قواعد نحو صرف وبلاغة وعروض كانت تقدّم دروسا مستقلة،لها كتبها الخاصة بها ابتداء من السنة الأولى ثانوي إلى النهائي منه،يجد الأستاذ والتلميذ نفسيهما أمام أمثلة ونماذج وأساليب جديدة مصادرها غير تلك النصوص التي تعترضهما الاثنان في حصص الأدب والنّصوص والمطالعة،وهذه الطريقة تعرف بالتدريس وفق الأهداف فجاءت الإصلاحات الجديدة لتحدث تغييرا ملموسا في تلك الوضعية فحوّلت تلك الدّروس من موضوعات مستقلّة إلى روافد تستمد - في معظمها- أمثلتها ونماذجها وأساليبها من متن النّصّوص الأدبية والتّواصلية أو المطالعة التي يباشرها المتلقي وأستاذه في حصص سابقة،فلم يعد هناك نشاط اسمه قواعد اللغة العربية أو نشاط يدعى البلاغة العربية أو نشاط يعرف بالعَروض بل صارت عندنا روافد تشكل مرحلة من مراحل دراسة النص الأدبي أو التواصلي أو المطالعة وهذه المرحلة تدعى:قواعد اللغة أو العرض أو النقد الأدبي أو البلاغة بالنسبة للسنتين الأولى والثانيةوذلك حسب طبيعة الموضوع المقررأمّا في السنة الثانية فنجدها تقدّم تحت عنصر يدعى: استثمر موارد النّصّ أو استثمر موارد النّصّ وأوظّفها في مجالات مختلفة:قواعد اللغة أو البلاغة أو العروض وذلك حسب طبيعة الموضوع والشعبة،لننتقل من التدريس بالأهداف كما كان في المنظومة السابقة،إلى التدريس وفق المقاربة الجديدة،أي:المقاربة النصية أو المقاربة بالكفاءات.
الوظيفة التعليمية للروافد:
قبل التعرض لتلك الوظائف لابد من الاطّلاع على التعامل المعجمي أو الموسوعي للفظة الرّافد.
لفظة الرافد هي لفظة معجمية انتقلت من طبيعتها المعجمية إلى مصطلح توظّفه مختلف الاختصاصات والعلوم.
اتفقت معاجم العربية على أنّ الرّافد يعني العطاء والصّلة والإعانة،وهو اسم فاعل مشتق من الفعل (رفد).أمّا أكثر العلوم استعمالا له هي الجغرافيا(علم الخرائط)والجيولوجيا(علوم الأرض)،فقد جاء في معجم المصطلحات الجغرافية للدكتور:يوسف توني أنّ الرافد هو:«نهر أو مجرى يُغذي النّهر الرّئيسي(؟)بأنْ يصبّ ماؤُه في الأخير(؟)،في أيّ جانب منه أو جزء من مجراه»ص:236.
أمّا في الإصطلاح التربوي،فقد عُرّف بأنه(مجموع العناصر المادية التي تقدّم للمتعلّم مثال:نص مكتوب-صور-خرائط-وثيقة...وهذا الرّافد بدوره يتضمن ثلاثة عناصر هي:
-السياق الذي يحدد إطار الوجود داخل الإطار المدرسي.
-المعلومات التي يتفاعل بدلالتها المتعلّم(استعمال الأفعال المتعدية).
-الوظيفة التي توضّح الهدف من الانتاج(وظيفة مهارية).أنظر دليل الأستاذ السنة الثالثة من التعليم الثانوي،ص:9.
لقد وردت اللفظة في القرآن الكريم بالمعنى نفسه أي:الإعانة والعطاء قال تعالى:«وأُتْبِعُوا في هذِهِ لعْنَةً ويَوْمَ القِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ المرْفُودُ»(هود:99).وفي بعض أشعار العرب،كقول بشار:
ولاتَحْسَب الشّورى عليكَ غضاضةً مكان الخوافي رافدٌ للقوادمِ
وعند علي بن بسّام:
رأيتُ لسان المرء رافدَ عقْلهِ وعُنْوانَه،فانْظرْ بماذا تُعنْوِنُ.
وقد استعملت العرب هذا الاسم المشتق استعمالا مجازيا فقالت:هذا النهر له رافدان:نهران يُمدانِه.وفلان يمدّ البريّة رافداه:يداه.ورفد الدارَ:دعمَها.وهو رفادة صدْقٍ لي ورفيدة صدق:عون...فهل الرّافد في منظومتنا الجديدة يؤدي وظيفة العطاء والعون والتّغذية والصّلة وما إل جاء في وثيقة:المناهج والوثائق المرافقة،السنة الثانية(جميع الشعب)ص:10،روافد فهم النّصوص وتحليلها،ما يلي: (يُتناول النص من منظور المقاربة النّصيّة أي انطلاقا من الاهتمام بدراسة بنيته ونظامه حيث تتوجه العناية إلى مستوى النص ككل،لدراسته دراسة كاملة برصد كل الشروط التي ساعدت على انتاجه،فجعلته محكم البناء،متوافق المعنى.ولتحقيق هذا الغرض يكون المتعلّم في حاجة إلى التحكم في روافدَ لفهم النص تحليلا ونقدا.ومن هذه الروافد:قواعد النحو والصرف.وهذه الروافد تتناول انطلاقا مما يتوافر عليه النص من معطيات نحوية وصرفية)وأضيف إليه في ص:36 بالنسبة للشعب الأدبية
وهذه الرّوافد تتناول انطلاقا ممّا يتوافر عليه النص من معطيات نحوية وصرفية أو بلاغية أو عروضية أو مفاهيم نقدية)
وجاء في منهاج السنة الثالثة(جميع الشعب)ص:8و30(لقد استمر الأمر على أن النص الأدبي-في مرحلة التعليم الثانوي-يدرس دراسة كلية اعتمادا على كون النص ظاهرة لغوية متعددة الأبعاد معقدة في تشكيلها ومضامينها الأمر الذي يجعل معالجة النص تستمد من أفاق مختلفة منها المقاربة النصية أي النّظر إلى النص على أنّه وحدات لغوية ذات وظيفة تواصلية واضحة تجكمها جملة من المباديء منها الانسجام والتماسك أو الاتساق.ولتحقيق هذا المبدأ في تناول النص،تظهر حاجة المتعلم إلى التحكم في دعائم فهم النص من حيث بناؤه الفكري والفني.ومن هذه الدعائم:قواعد النحو والصرف،البلاغة والعروض.وهذه الدعائم ينشطها الأستاذ انطلاقا ممّا يتوافر عليه من معطيات النحو والصرف أو البلاغة والعروض).ى ذلك من المعاني والمفاهيم؟
طريقة تدريس الرّوافد:
لقد كان التساؤل عن كيفية تدريس أو تقديم الرّوافد للمتعلمين الشغل الشاغل الذي كثيرا ما أرّق الأساتذة مباشرة بعد الشروع في الإصلاحات،ومازال الكثير منهم يبحث عن الإجابة النهائية الشافية الوافية التي تريحهم من عناء السؤال.
من خلال العينات الميدانية تفرّق الأساتذة في طرقية تدريس الروافد،فمنهم من أعطاها حيّزا نظريا ظنا منه أن المراد هو الجانب التعريفي التثقيفي،فراح يسرد النظريات والتعريف والأجزاء والأنواع والشروط والخصوصيات فإن أتى إلى تطبيقي نموذجي دق الجرس وذهب جهده سدى وربما أخذ وقت حصة أخرى فيكون ذلك على حساب البرنامج.
وآخر مزج بين النظري والتطبيقي بالتّساوي فربما وصل إلى المراد وربما جانبه.
وطرف أخير ركّز على الجانب التطبيقي بعد مرور خفيف على قاعدته النظرية،وربما استغنى عن ذلك خصوصا إذا كان الموضوع من الدروس المستهلكة أو المتداولة.
فهذه طرق ثلاثة واقع فيها الأساتذة وهم يدرسون الروافد.
والفصل في ذلك أيْ:في أيِّ طريقة يصب تدريس الروافد؟
استنادا إلى ماورد في النصوص السابقة والتي استمدت من الوثائق البيداغوجية المصاحبة للأستاذ،فإن الأمر يتّجه إلى تطبيقية الروافد بشكل مباشر وصريح،وذلك لاعتبارات عديدة،أولها:أنّ طريقة تدريس النصوص وحتى المطالعة تتم بطريقة التطبيقات والتمرينات والاستنتاج والملاحظة،من خلال:أكتشف، أناقش،أحدد،أتفحص،وثانيها:أن الوثائق المصاحبة للأستاذ:ا لدليل،المنهاج ،الوثيقة المرافقة للمنهاج ،تنص على تطبيقية الروافد مثل ما جاء في منهاج السنة الثالثة حول قواعد النحو والصرف،ص:31(...وإذن فالعناية كل العناية موجهة إلى تعلّم النحو الوظيفي ...ولتحقيق هذا المبدأ...تراعى الأسس الآتية:
-أن تكون القواعد النحوية في خدمة المتعلمين يعني أن تكون ذات أثر عملي في سلوكاتهم بحيث تتحول لإلى مهارات لغوية تسهم في اكتساب المتعلمين ملكة تبليغية.
-الإكثار من النشاطات التطبيقية ،سواء مشافهة أو كتابة إلى أن يتأكد الأستاذ من ترسيخ الأحكام في أذهان المتعلمين...) وعن رافد البلاغة،ص:32(في تنشيط الأستاذ لدرس البلاغة تتوجه الأسئلة إلى اختبار الذّوق والحسّ الفني ،بدل الإفراط في الإلمام بقواعد البلاغة)والأمر نفسه حول العروض ،ينظر في ذلك ص:10و11من المرجع نفسه .وآخر اعتبار أنّ موضوعات الروافد هي تمرينات وتدريبات تقوم على مطالب التعيين والاستخراج والتوظيف والتحويل والتفريق والتركيب وهكذا...وخلاصة القول في تدريس الروافد ما يلي:
1-المرور السريع على القاعدة النظرية من باب التذكير لاغير ويمكن للأستاذ أن يكلف تلميذا بتسجيل ما يراه مهمّا في ذلك على السّبورة.
2-يشرع في إنجاز التطبيقات باعتبار أن التلاميذ قاموا بحلّها قبل المجيء إلى الحصة، وتسجيلها على السبورة على أن يتكفلوا هم بذلك ،ويكتفي الأستاذ بالتّوجيه والتصويب في حالة الخطأ أو التعليل في حالة أنهم لم يستوعبوا أيّا منها.
3-ضرورة استعمال الجداول خاصة في حالة الإعراب أو استخراج أنواع لموضوع نحوي ما، أو عند ذكر أركان التشبيه مثلا وهكذا...
4-يكتفي التلميذ بتسجيل الكلمة في حالة ملأ الفراغات كسبا للوقت.
5-يحرص الأستاذ على استعمال الألوان أثناء التسجيل على السبورة لما في ذلك من توضيح وتنظيم.
6-يمكن للأستاذ أن يغير في صيغة المثال التطبيقي إذا رأى أنّه لا يفي بالهدف كأن يوظف اسم شيء معروف في منطقته مكان آخر غير معهود لدى التلاميذ وهكذا.
7-يمكن للأستاذ أن يثري التطبيقات بتمرينات إضافية سواء من إنتاجه أو أخْذها من كتب داعمة، بشرط أن يكون قد حضّرها من قبل احتياطا، خاصة إذا كان لديه فائضا من الوقت.
6-التركيز على الوضعية الإدماجية وإعطاؤها الأهمية القصوى وحيّزا زمنيا كافيا، مع ضرورة تعيين عدد لابأس به منهم لقراءة ما كتبوه مع التّرشيد والتّوجيه والثّناء على أجودهم تعبيرا وتوظيفا لما طلب منه.
الخلاصة:
الرافد من المنشطات التعلمية التي تساعد على التّذوق الفني والجمالي للنص الأدبي والتواصلي أي تتجه نحو النقد التطبيقي الذي يقوم على اكتشاف المقومات الجمالية للنص،والحفر في متنه وأطرافه انطلاقا من دلالة العنوان إلى الحقول المعجمية أوالدلالية والبناءات اللغوية والصرفية والبلاغية والأساليب المعنوية وتوظيف الرموز والتناص...ومن هذا المنطلق فإن على الأستاذ أن يحول موضوعات الروافد إلى حصص ممتعة يجد فيها راحته وينقلها بدوره إلى تلاميذته،فيحقق فيهم الرغبة في التعلّم واكتشاف المعارف والحرص على توظيفها إلى جانب التأثير لأحداث تغيير إيجابي فيهم،فيتفاعلوا معه فيجدهم بعد ذلك متشوقين إلى حصصه وأوقات تدريسه.